languageFrançais

رحلة مع صيّاد أفاعي تونسي يصطاد الثعابين ويربّي الكوبرا في بيته !

صباح يوم الإثنين 28 جويلية 2025، رافقنا صياد الأفاعي بشير بجاوي في مهمة ميدانية استثنائية، إثر بلاغ من سيدة مسنّة أفادت برؤيتها ثعبانًا يتسلل إلى منزلها.

انطلقت قصتنا من أمام منزل بشير في ضواحي العاصمة، حيث وجدناه بصدد ارتداء ملابسه الخاصة. يقول بشير: "لدي أحذية خاصة أرتديها في المناطق الجبلية، حيث تكثر الأفاعي السامة، أما في المناطق السكنية فالأمر يختلف".

أول ما قام به هو الاتصال بالسيدة التي تواصلت معه قبل ثلاثة أيام، التي أكدت له من جديد أنها رأت أفعى سامة، لكنها فوجئت برده الذي جاء مطمئنًا: "هو ليس أفعى سامة، بل ثعبان عادي، لا تخافي... سآتيك خلال ساعة تقريبًا".

في الطريق نحو وجهتنا، فتح لنا بشير باب تجربته الطويلة، موضحًا أنه يمارس مهنة صيد الأفاعي منذ 30 عامًا، منها 14 سنة في المناطق السكنية، و 16 سنة يعمل فيها مزودًا رسميًا لمعهد باستور بالأفاعي لاستخلاص الأمصال المضادة.

عند وصولنا إلى المنزل، استقبلتنا السيدة بوجه يملؤه الخوف والارتباك. دلّتنا إلى مكان تربية الدجاج، حيث رأت الثعبان في المرة الأخيرة. دخل بشير المكان بثقة واضحة، واتجه مباشرة إلى الزوايا الضيقة، بين الحجارة وقطع الطوب" ياجور "، ثم خرج قائلاً: "ليس هنا".

ما حدث لاحقًا كان مفاجئًا. غيّر بشير وجهته إلى غرفة مجاورة، وتوجه بسرعة إلى الأماكن المحتمل أن يختبئ فيها الثعبان، مثل الزوايا المظلمة وتحت الحجارة. وبعد لحظات فقط، أخرج الثعبان من داخل قطعة طوب " ياجورة " بعد كسرها، دون استخدام أي أداة. أمسكه بيديه وبدأ يتفقده، ثم قال للسيدة: " انتي محقة هذا الثعبان يشبه الأفعى السامة، لكنه غير سام، لا داعي للخوف".

المشهد كان مثيرًا للاستغراب. كان بشير يتعامل مع الثعبان كأنه أحد أبنائه، حتى إنه قبّله. أما السيدة، فكانت مذهولة من طريقة تفاعله مع الثعبان، وسرعة تحديده لمكان اختبائه.

في نهاية المهمة، وضع الثعبان داخل قارورة بلاستيكية واقترح أن نرافقه لإعادته إلى الغابة. وقال: "هذا هو مكانه الطبيعي ... يجب أن يعود إلى الطبيعة".

ليست مجرد مهنة... بل رسالة

أوضح بشير أن أكثر البلاغات التي يتلقاها تأتي من ولايات مثل صفاقس، سوسة، القيروان، الحمامات ونابل. أما في العاصمة، فتتركز الاتصالات في مناطق مثل المرسى، أريانة، العوينة، منوبة، حمام الأنف، مرناق وزغوان.

وعن طبيعة البلاغات، قال: "يوميًا أتلقى بين 9 و10 اتصالات، وفي فصل الصيف قد تصل إلى 25 اتصالًا. بالطبع، لا يمكنني تلبية جميعها، لذا أقيّم الحالة، وأطلب من المتصلين وصف الثعبان، فإذا كان غير سام، أقدم لهم النصائح اللازمة. أما إن كان سامًا، فأعتبر من واجبي التدخل شخصيًا، لأنه قد يشكل خطرًا على حياة الناس".

وفي ما يخص الأنواع الخطرة من الأفاعي، أكد بشير:"من أخطر الأفاعي الموجودة لدينا في تونس: الكوبرا، والأفعى الموريتانية، والأفاعي الصحراوية بشكل عام. هذه الأنواع لا تُعد خطيرة فقط في تونس، بل في كامل شمال إفريقيا، بما في ذلك المغرب وليبيا".

وأضاف أن الزواحف تكثر حركتها في هذا الفصل، نظرًا لارتفاع درجات الحرارة، حيث تبحث عن المياه والأماكن الظليلة، والفرائس، مما يزيد من احتمالية وجودها داخل المناطق السكنية. ويؤكد: "أغلب الاتصالات تصلني بين منتصف الربيع ونهاية شهر نوفمبر، ثم تقل تدريجيًا".

وأكّد أنّه يمتلك عددا من أفاعي الكوبرا في منزله يقوم بتغذيتها والاعتناء بها ثمّ بيعها، مشيرا إلى أنّه يطلق على أحدها "هيفاء" والأخرى "نانسي" والثالثة "عبير"، لافتا إلى أنّ أبناؤه بدؤوا يتعوّدون على وجود هذه الأفاعي في المنزل. 

في ظل هذه الظروف، تبقى مهنة بشير بجاوي واحدة من أكثر المهن غرابة وخطورة، لكنه يمارسها بشغف وثقة، معتبرًا أنها أكثر من مجرد وظيفة.

غسان عيادي